سورة الصافات - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)}
{لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم {بَلْ جَاء بالحق} رد على المشركين {وَصَدَّقَ المرسلين} كقوله: {مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97] وقرئ: {لذائقوا العذاب}، بالنصب على تقدير النون، كقوله:
وَلاَ ذَاكِراً اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً ***
بتقدير التنوين. وقرئ: على الأصل {لذائقون العذاب} {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} إلا مثل ما عملتم جزاء سيئاً بعمل سيئ.


{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)}
{إِلاَّ عِبَادَ الله} ولكن عباد الله، على الاستثناء المنقطع. فسر الرزق المعلوم بالفواكه: وهي كل ما يتلذذ به ولا يتقوّت لحفظ الصحة، يعني أن رزقهم كله فواكه، لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات، بأنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد، فكل ما يأكلونه يأكلونه على سبيل التلذذ. ويجوز أن يراد: رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها: من طيب طعم، ورائحة، ولذة، وحسن منظر. وقيل: معلوم الوقت، كقوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم: 62] وعن قتادة: الرزق المعلوم الجنة وقوله {فِي جنات} يأباه وقوله: {وَهُم مُّكْرَمُونَ} هو الذي يقوله وعن العلماء في حدّ الثواب على سبيل المدح والتعظيم، وهو من أعظم ما يجب أن تتوق إليه نفوس ذوي الهمم، كما أنّ من أعظم ما يجب أن تنفر عنه نفوسهم هوان أهل النار وصغارهم.
التقابل: أتم للسرور وآنس. وقيل: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.
ويقال للزجاجة فيها الخمر: كأس، وتسمى الخمر نفسها كأساً، قال:
وَكَاسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ ***
وعن الأخفش: كل كأس في القرآن فهي الخمر، وكذا في تفسير ابن عباس {مّن مَّعِينٍ} من شراب معين. أو من نهر معين، وهو الجاري على وجه الأرض، الظاهر للعيون: وصف بما يوصف به الماء، لأنه يجري في الجنة في أنهار كما يجري الماء، قال الله تعالى: {وأنهار مّنْ خَمْرٍ} [محمد: 15] {بَيْضَاء} صفة للكأس {لَذَّةٍ} إمّا أن توصف باللذة كأنها نفس اللذة وعينها: أو هي تأنيث اللذة، يقال: لذ الشيء فهو لذ ولذيذ. ووزنه: فعل، كقولك: رجل طب، قال:
وَلَذٌ كَطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ تَرَكْتُهُ *** بِأَرْضِ الْعِدَا مِنْ خَشْيَةِ الْحَدَثَانِ
يريد النوم. الغول: من غاله يغوله غولاً إذا أهلكه وأفسده. ومنه: الغول الذي في تكاذيب العرب. وفي أمثالهم: الغضب غول الحلم، و{يُنزَفُونَ} على البناء للمفعول، من نزف الشاربُ إذا ذهب عقله. ويقال للسكران: نزيف ومنزوف. ويقال للمطعون: نزف فَمات إذا خرج دمه كله. ونزحت الركية حتى نزفتها: إذا لم تترك فيها ماء. وفي أمثالهم: أجبن من المنزوف ضرطاً. وقرئ: {ينزفون} أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه. قال:
لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُمُو أَوْ صَحَوْتُمُو *** لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمُو آلَ أَبجرَا
ومعناه: صار ذا نزف. ونظيره: أقشع السحاب، وقشعته الريح، وأكب الرجل وكببته، وحقيقتهما: دخلا في القشع والكب. وفي قراءة طلحة بن مصرف: وينزفون: بضم الزاي، من نزف ينزف كقرب يقرب، إذا سكر. والمعنى: لا فيها فساد قط من أنواع الفساد التي تكون في شرب الخمر من مغص أو صداع أو خمار أو عربدة أو لغو أو تأثيم أو غير ذلك، ولا هم يسكرون، وهو أعظم مفاسدها فأفرزه وأفرده بالذكر {قاصرات الطرف} قصرن أبصارهنّ على أزواجهنّ، لا يمددن طرفاً إلى غيرهم، كقوله تعالى: {عُرُباً} [الواقعة: 37] والعين: النجل العيون شبهنّ ببيض النعام المكنون في الأداحي، وبها تشبه العرب النساء وتسميهنّ بيضات الخدور.


{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)}
فإن قلت: علام عطف قوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ}؟ قلت: على يطاف عليهم. والمعنى: يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشرب قال:
وَمَا بَقِيَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ إلاَّ *** أَحَادِيثُ الْكِرَامِ عَلَى الْمُدَامِ
فيقبل بعضهم على بعض {يَتَسَاءلُونَ} عما جرى لهم وعليهم في الدنيا، إلا أنه جيء به ماضياً على عادة الله في أخباره. قرئ: {من المصدّقين} من التصديق. ومن المصدَّقين مشدّد الصاد، من التصدّق، وقيل: نزلت في رجل تصدّق بماله لوجه الله، فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه؛ فقال: وأين مالك؟ قال: تصدقت به ليعوضني الله به في الآخرة خيراً منه، فقال: أئنك لمن المصدّقين بيوم الدين. أو من المتصدّقين لطلب الثواب. والله لا أعطيك شيئاً {لَمَدِينُونَ} لمجزيون، من الدين وهو الجزاء. أو لمسوسون مربوبون. يقال: دانه ساسه. ومنه الحديث: «العاقل من دان نفسه» {قَالَ} يعني ذلك القائل: {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} إلى النار لأريكم ذلك القرين. قيل: إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار. وقيل: القائل هو الله عزّ وجلّ. وقيل: بعض الملائكة يقول لأهل الجنة: هل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار. وقرئ: {مطلعون} فاطلع. وفأطلع بالتشديد، على لفظ الماضي والمضارع المنصوب: ومطلعون فاطلع وفأطلع بالتحفيف على لفظ الماضي والمضارع والمنصوب يقال طلع علينا فلان، واطلع وأطلع بمعنى واحد، والمعنى: هل أنتم مطلعون إلى القرين فأطلع أنا أيضاً. أو عرض عليه الاطلاع فاعترضوه، فاطلع هو بعد ذلك. وإن جعلت الإطلاع من أطلعه غيره، فالمعنى: أنه لما شرط في اطلاعه اطلاعهم، وهو من آداب المجالسة. أن لا يستبد بشيء دون جلسائه، فكأنهم مطلعوه. وقيل: الخطاب على هذا للملائكة. وقرئ: {مطلعون} بكسر النون، أراد: مطلعون إياي؛ فوضع المتصل موضع المنفصل، كقوله:
هُمُ الْفَاعِلُونَ الْخَيْرَ وَالآمِرُونَهُ ***
أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخ بينهما، كأنه قال: تطلعون، وهو ضعيف لا يقع إلاّ في الشعر {فِى سَوَآءِ الجحيم} في وسطها، يقال: تعبت حتى انقطع سوائي، وعن أبي عبيدة: قال لي عيسى بن عمر: كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائي (إن) مخففة من الثقيلة، وهي تدخل على {كاد} كما تدخل على (كان) {إِن كَانَ لَيُضِلُّنَا} واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والإرداء: الإهلاك. وفي قراءة عبد الله: لتغوينّ {نِعْمَةُ رَبّى} هي العصمة والتوفيق في الاستمساك بعروة الإسلام، والبراءة من قرين السوء. أو إنعام الله بالثواب وكونه من أهل الجنة {مِنَ المحضرين} من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8